نبذة عن حياته :
هو أبو النصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي ، وُلِدَ في بلدة وسيج بولاية فاراب - وهي تقع في كازاخستان الآن – وُلِدَ مُحمَّد عام 872 ميلادي الموافق 258 هجري ، عاش الفارابي في العصر الذي ضَعُفت فيه الدولة العباسية و كان ذلك عندما كانت الدولة العباسية بيد الترك والفرس والديلم والسلاجقة .
كان أبوه محمد، قائداً صغيرا من قواد الجيوش السامنية، و كان تركي الموطن، فارسي الأصل، عربي الثقافة ، كان محمد يتحدث بثلاث لغات في صغره، الفارسية لغة أجداده، والتركية لغة موطنه، و العربية لغة ثقافته .
دخل أهل محمد في دين الإسلام وانتقلوا للسكن في إقليم فاراب وكان سكان الإقليم من الأتراك والفرس و العرب المسلمين والدعاة إلى دين الإسلام وجنود الجيوش الإسلامية الذين استقروا في الإقليم بعد فتحه .
نشأ الفارابي في مزرعة يمتلكها أبوه عن جده ، و حَفِظَ مُحمَّد القرآن في مسجد إقليم فاراب و درس فيه الفقه و الحديث و التفسير، و درس في الكُّتاب الرياضيات و غيرها من المواد و أتقن قراءة اللغة العربية و كتابتها و لكن لم يتعمق في قواعدها فلقد نشأ الفارابي مُحباً للعلم ساعياً للثقافة في شتى مجالاتها .
لم يصلنا عن حياة محمد في طفولته وشبابه الكثير فكانت هاتين المرحلتين من حياته غامضتان ، و يُحكى أن في فاراب كان يسكن هنالك عالم مجهول الهوية لدية كتب كثيرة في الفلسفة و المنطق والرياضيات وغيرها ، وأراد هذا العالم السفر فخاف على ضياع هذه الكتب فحملها إلى محمد و أودعها عنده لعلمه أن محمد يحب اقتناء الكتب ؛ لدراستها و فهم ما جاء فيها و قال له : " إذا عدت من سفري هذا قريباً فأرجعها لي وإن لم أعد فهي لك بعد عشر سنوات" ففرح محمد بها فرحاً كبيراً فعكف على قراءتها وتعلم ما فيها ليلا نهارا وقرأ كتابات أرسطو و أفلاطون في الفلسفة و المنطق و أُعجب بها ، و يقول فيها محمد : " عكفت على قراءتها فقراءت الكتاب الواحد أربعين مرة و أكثر و كنت أكتب على الكتاب عدد المرات التي قرأته فيها، فكانت هذه الكتب مطبوعة في ذاكرتي " .
مرت السنوات العشر و لم يعد عالم فاراب و خلال هذه المدة أصبح مُحمداً قادراَ على نقد الكتب و الإضافة إليها و تصحيح ما فيها من أفكار ، و إشتهر مُحمَّدٌ بين الناس، فلقبوه بالفارابي ؛ نسبة إلى مدينة فاراب ، فوفد عليه التلامذة و العلماء ليستفيدوا من علمه .
كان الفارابي يحب السفر ويتمنى أن يسافر، وتحقق حلمه، فقام بوضع الكتب التي تركها العالم عند أحد تلامذته وانطلق في سفره .
سافر الفارابي بين بلاد آسيا الوسطى و بلاد فارس و خراسان و مر بمدينة بغداد و استقر فيها، و كان ذلك عام 922 ميلادي الموافق 310 هجري وكان عمره حوالي الخمسين عاماً.
بعدما استقر الفارابي في بغداد بدأ يبحث عن دروس العلم، فدرس على يد الحكيم المشهور أبو بشر متَّى بن يونس، و كان التلامذة يدرسون الفلسفة والمنطق على يديه و كان الفارابي التلميذ الأكبر سناً بينهم ، فهم الفارابي على يدي الحكيم أبو بشر كتب أرسطو و أفلاطون التي كانت لديه في الفلسفة و المنطق ، و ذات يوم سأل الحكيم أبو بشر الفارابي عن إتقانه للغة العربية فأجابه انه متقنها قراءةً و كتابة و لكنه لم يتعمق في النحو و الصرف، فأخذه الحكيم أبي بشر إلى صديقه أبي بكر السراج ليتقن اللغة عنده و جلس الفارابي عنده يدرس معه بضعة شهور حتى تفوق الفارابي على أستاذه أبي بكر السراج في النحو و الصرف و تفوق بالفلسفة والمنطق على الحكيم أبي بشر .
بعدما أنهى الفارابي دراسته على يد شيخيه، سمع بالأستاذ يوحنا بن حيلان الذي كان يُدرِّس الفلسفة و المنطق، فسافر الفارابي إليه وكان يعيش في مدينة حرَّان ليدرس على يديه الفلسفة والمنطق و كان ابن حيلان أيضاً على معرفة بالطب فدرس الفارابي الطب على يديه أيضاً و تفوق على أستاذه في هذين المجالين و عندما انتهى الفارابي من الدراسة في حرَّان عاد إلى بغداد .
واصل الفارابي التعلُّم على يد العلماء والحكماء في بغداد حتى بدأ التلامذة يأتون إليه من كل مكان، و من أشهر هؤلاء التلامذة التلميذ عالم المنطق الشهير ( يحيى بن عدي ) وكان الفارابي كلما درس عند أستاذ أو حكيم تفوق عليه في علمه.
بعد انتهاء الفارابي من الدراسة في بغداد على يد الحكماء والأساتذة، سافر إلى الشام و كان ذلك عام 941 ميلادي / 329 هجري و كان قد بلغ السبعين من العمر، و إتصل الفارابي بسيف الدولة الحمداني فعاش الفارابي بكنفه، و تقول الروايات أن الفارابي اكتسب ثقة سيف الدولة عندما وجده قد تفوق بعلمه على كل من كان في مجلسه من العلماء و الحكماء وأيضاً كان يتكلم بسبعين لغة و لكن في ذلك قليل من المبالغة فمهما كان الفارابي ذكياً لم يكن يستطيع التكلم بسبعين لغة !!!
أمضى الفارابي حوالي التسع سنوات في الشام تحت كنف سيف الدولة الحمداني وعاش حياته زاهداً منكب على الدراسة و التأليف و الكتابة و كان فقيراً حتى توفي في دمشق عام 950 ميلادي الموافق 339 هجري عن عمر يناهز الثمانين عاماً وكانت جنازته من أعظم الجنازات فقد سار فيها سيف الدولة الحمداني وعلماء كثيرون وتلامذة أكثر ، رحمه الله الفارابي و أسكنه في فسيح جنانه فلقد قدم للأمة الكثيرَ الكثير .
ألقابه :
لُقِّبَ محمد بن محمد بن طرخان بألقاب كثيرة، فلقب بالفارابي ؛ لأنه وُلِدَ في فاراب، و لُقِّبَ بفيلسوف العرب ؛ و ذلك لأنه كان عالماً عربياً مُبتكِراً و فيلسوفاً عربياً مُبدِعاً، و لُقِّبَ أيضاً بلقب المُعلِم الثاني ؛ لأنه طُلِبَ منهُ جمع ترجمات أشرفت على التلف فترجمها و راجعها و إستخلص منها ترجمة واحدة مُطابِقةٌ للأصل فأنجز المهمة و وُضِعَت ترجمته تحت إسم التعليم الثاني على إعتبار أن التعليم الأول قام به أرسطو و من هنا إكتَسَبَ لقبه المعلم الثاني .
مؤلفاته :
كتب الفارابي مؤلفات كثيرة نستذكر منها :
1 كتب في المنطق 7 مؤلفات منها كتاب المنطق و كتاب البرهان و كتاب شرائط اليقين .
2 في الخطابة والشعر 4 مؤلفات منها (شرح كتاب الخطابة لأرسطو)
3 في المعرفة كتب 5 مؤلفات منها (موسوعة إحصاء العلوم) وكتاب (مراتب العلوم ) .
3 في المعرفة كتب 5 مؤلفات منها (موسوعة إحصاء العلوم) وكتاب (مراتب العلوم ) .
4 ما بعد الطبيعة و الفلسفة العامة كتب 13 مؤلفاً منها (ما بعد الطبيعة ).
5 الفيزياء وعلم الطبيعة كتب 4 مؤلفات منها (كتاب أصول علم الطبيعة).
6 في الموسيقى كتاب واحد و هو ( كتاب الموسيقى الكبير )
7 الأخلاق والفلسفة السياسية 6 مؤلفات منها (أراء أهل المدينة الفاضلة) وكتاب ( السياسة المدنية ). والكثير الكثير من المؤلفات الأخرى .
رحمه الله ، حقاً لقد خسر العالم فيلسوف الأمة و إني لأقول فيه : (( إن الفارابي لهو معجزة تمشي على الأرض )).
تموت الشعوب وتندثر بعظمتها وتبقى ما خطته ايديهم ما هو إلا دليل على أن لسان الضاض هو المنبر المنير لنا ولشعوب العالم رحم الله الفارابي وكل علمائنا الذين سطروا حروف من نور أضائت العالم .
ردحذف